آراء | وعي الحراك

آراء | وعي الحراك

لا يغرنكم المغازلون للشعب بقمة وعيه و كأن الهدف قد حُسم . القضية قضية وعي والحراك حراك لتحريره و ترقيته ثم استخدامه للتصدي للتحديات الحقة ، فلا يعقل أن ننطلق بمقدمات تفترض النتيجة مبنى لها. لنعي هذا على الأقل بداية … و ليكن حراكا نحو بناء وعي حقيقي و انعتاق حقيقي من أقطاب النظام و من يغذيها من قوى الشر المتربصة ، أو لا يكن . نحن نعاني مكر الإستعمار الجديد ، فلنسعى لتحديد مفاهيم لإستقلال جديد و الوعي بما يعيق تحقيقه لتجسيده حقا ، غير ذلك لن يعدو اليوم و غدا أن يكون مطاردة لذيلنا …

لا يزال “غزل الوعي” يميّز مقدمات الخطابات التي يوجهها الكثيرون نحو الشعب ، سواء عند اعلان انضمامهم للحراك الشعبي المبارك أو عند تحليلهم و ابداء آرائهم حول مجريات الأحداث المتسارعة.

عندما نتدحث عن مدى وعينا كشعب من جهة و عن كون تحرير الوعي الجماعي و ترقيته هو هدف لا مقدمة الحراك من جهة أخرى، أرى من الضروري التفكر في علاقة الوعي بالحراك عبر تحديد و تشخيص بعض مستوياته المتفايتة :

١. مستوى الدوافع : هنا الوعي بالأزمة و بالتالي بالدوافع للحراك و ليس بدقائق اهدافه ضرورة – و هذا وعي موجود و متنام ؛ فالشعب واع بالسلبيات الكائنة في البلد ، بما في ذلك خطر العهدة الخامسة و مهزلة العملية الإنتخابية.

٢. مستوى المسؤولية الفردية: هنا الوعي بمسؤولية الفرد و فاعليته في التصدي للأزمة و بالخطر الوجودي الذي يهدد الفرد إن لم يقم بذلك – و هذا وعي في تزايد مستمر ، و هو ما سيزيد من كفاءة الحراك و قدرته على الضعظ الفعال المطلوب.

٣. مستوى الحس الجماعي: هنا الوعي بتواصل الأفراد و تلاحمها ككتلة تتشارك حس جماعيا يمكّنها من صياغة و فرض مقاصد جماعية (بمعناها الفلسفي) بما هو اضفاء للمعنى و تعليل للأحداث و الظروف و الوظائف – و هذا وعي متنام كذلك.

٤. مستوى المساهمة العملية: هنا الوعي بدقائق العمل السياسي و خصوصا بما تخوله القوانين عندمواكبة محطات الحراك المختلفة بما في ذلك تشخيص طبيعة كل محطة منها و توجيهها بما يلازم مقتضياتها و متطلباتها، ثم الوعي بمنازل المشاركة و المساهمة في الدفع من جهة و بمنازل الإتباع و المسائلة في الرأي من جهة أخرى. فالعمل الجماعي القانوني الذكي يجب أن يكون الوجه الآخر لما نراه من اجتماع محمود للحراكيين على ضرورة الإلتزام بسلمية الحراك ، و كلاهما بنفس نسبة الأهمية في رأيي – و هذا وعي لم ينمو بعد و هو إذن مدخل من مداخل تشتيت الحراك و تمييعه.

٥. مستوى الخصمية: هنا الوعي بدقائق الأزمة و ما يغذيها و بطبيعة الخصم الذي يمثل الأزمة؛ أي طبيعة النظام و أقطابه في هذه الحالة – و هذا وعي لم ينمو بعد و لكنه في تطور حييّ ، و تلك نتيجة حتمية لعقود من التعتيم و الإفقار السياسي بما هو من استراتيجيات أقطاب النظام للعمل في خفاء ضمن علبة سوداء و تهميش الشعب و قوى التغيير الحقيقي.

٦. مستوى البيئة: هنا الوعي بخصوصية القضية الجزائرية من جهة و بتموقعها ضمن مشكلات العصر و القوى الفاعلة و المؤثرة فيها من جهة أخرى و التي تحتكر شروط الفاعلية و تهيمن على أسباب الاستئناف – و هذا وعي لم ينمو بعد كذلك.

٧. مستوى الأفكار: هنا الوعي بالأسس الحضارية و المرجعيات الفكرية و المعرفية و القيمية التي تكمن وراء صيغ و نماذج التيرات السياسية و الاجتماعية . فهذا المستوى من الوعي إذن يتقصّى معالم الإنتماء الحضاري و المرجعي للأفكار و ينظر للسياسة و للحراك الشعبي على أنها أدواة و وسائل للخوض في التدافع الفكري و البناء الحضاري ، حراك لاستئناف الفاعلية التاريخية و انعتاقها من الهيمنة، و هو بهذا وعي يساهم في ترقية بقية المستويات و تدقيقها – و هذا وعي ناقص إلى حد كبير.

هذه إذن بعض مستوايات وعي الحراك كما أراها، و تعدادها تباعا لا يستوجب تحققها في الفرد و الجماعة تدرجا.

و وعي الحراك – كحراك و وعي جماعي – في نضج مستمر على مستويات الدوافع و المسؤولية الفردية ، مع بدايات نمو في وعي الحس الجماعي ، و هو تحديدا ما يجعل ما نراه حراكا لا يرتقي لوصف الثورة بعد – و لعلي أفصل في ماهية الثورة التي أشير إليها هنا في منشور آخر – و من البدهي أن الحراك ممكن أن يتعطل و أن يتعثر بتفاوت نسبة عموم الوعي بمستوياته المختلفة ، و أن لا مناص من إنتشار الوعي بين طبقات الشعب و عبر مستوياته بالتدريج .

فالوعي في مستوى المساهمة العملية و مستوى الخصمية في حاجة لترقية و تعزيز ، و نقصه يفتح باب التلاعب و الاحتواء من طرف الحراك المضاد . و الوعي في مستوى البيئة و الأفكار في حاجة لتحرير و إنعتاق حقيقين ، و نقصه سيكرس الإنتداب و التبعية و الهيمنة بأشكالها العديدة.

الإيجابي هنا هو أننا نرى تقدما في حالات الوعي في حراكنا ، جمعة بجمعة، مسيرة بمسيرة ، كما تلوح له الشعارات المرفوعة و المواقف المأخوذة (و قد رأينا بوادر بعضها كما تبينه الصورة المرفقة مثلا) و الحمد لله أن سخر من ينشر الوعي و أسبابه من شبابنا الواعي الذي شمر على ساعد الجد و عزم على بذل الجهد في هذا المسار ، و هو ما يدل كما بدأت بالقول أن الحراك حراك لتحرير الوعي و أن التمادي في “غزل الوعي” سيفوت علينا فرص مهمة لفهم مواضع قصوره و سبل ترقيته بيننا كأفراد و كجماعة ، فلنتفطن لهذا و سنجني ثمار هذا التفطن لا محالة إن شاء الله تعالى

About the Author

Oussama Metatla administrator

Dr. Oussama Metatla is an EPSRC Research Fellow at the Department of Computer Science, University of Bristol, specialising in Human-Computer Interaction. He is co-founder of Anas.org and founder and editor-in-chief of Inspire Magazine.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.