ما إن استنشق الشعب الجزائري نفحات من حرية التعبير وارتشف رشفات من كأس السيادة وتحديد المصير حتى تجلت منه واستفحلت فيه أخلاق حميدة كثيرة ، من تضامن ورفق ونظافة واحترام لراحة مريض ، بل وحتى اخلاء السبيل لمرور سيارات الإسعاف – وهو أمر من الندرة بمكان كما يعلم كل من قاد سيارة في ازدحام. و هذه ظاهرة تحقق إلى حد ما نظرية إبن خلدون التي لخصها بقوله أن كل الشعوب التي ربيت بالعنف في التربية و حكمت بالعنف في السياسية تفقد معاني الإنسانية. حراكنا إذا له القدرة على وضعنا في محطة إنبعاث و رقي نحو تربية و سياسة تنمي فينا معاني الإنسانية، التي يعرفها الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي بأنها القدرة على حماية الذات و الإبداع و الحرية الفكرية.
في ظرف مثل الظرف الذي يعيشه المجتمع الجزائري في توجهه نحو تحول مصيري بين هبة شعب وحراك مضاد بتواطؤ دولي ، تسمو الطموحات ويرتفع سقف التوقعات من التغيير المنشود، و بين تطلع لمجتمع راقي ومتحضر ونظام سياسي عادل ومستقل، تتجلى مسألة الأخلاق كمسألة محورية في ممارساتنا اليوم والتي نحقق بها تصوراتنا للغد.
ما يجب أن نضعه نصب أعيننا هو أن أخلاق هذا الحراك يجب أن تقف وقفة التنافي المطلق ضد أخلاق النظام الذي نقوامه. فهذا النظام -إذ يرزح تبعية تحت أقدام أوصيائه- لاأخلاقي في جوهره، وأقطابه تمارس الاستبداد وتكرس الفساد الممنهجين كأدوات لإرضاخ الشعب، تستضعفه بالاستبداد وتهين كرامته بالفساد.
النظام بأقطابه وأزلامه وأوصيائه مفلسون أخلاقيا، المدافعون عن ترشح الرئيس المنبوذ مفلسون أخلاقيا، ومهندسو الحراك المضاد مفلسون أخلاقيا بما فيهم الأوجه “المباركة” دوليا لقيادة التغيير الذي سيبعث النظام من جديد… كل أولائك وهؤلاء يريدون أن يستمروا في ارضاخ النزعة التحررية للشعب عن طريق الحفاظ على أخسأ وأعنف أخلاق السياسة من استبداد وفساد لما فيهما من قدرة على إلجام الحرية ودوس الكرامة ومن تكريس للتبعية وللهيمنة الخارجية.
فلكسر قيود التبعية والفساد والهيمنة والاستبداد حقا، لابد للحراك أن يواصل رفع سقف أخلاقياته وأن يتحلى بأسمى معانيها في صموده، تخطيطا وممارسة، وفعلا وانفعالا.
ومن باب رفع سقف التطلعات الأخلاقية، لابد من نبذ صفتين استخدمتا للتعبير على التنديد بالرئيس المنبوذ في بدايات الحراك؛ الأولى وصفه ب”المروكي” والتي تحمل في طياتها عنصرية بليدة وإساءة للجيرة مرفوضة عرفا ومذمومة شرعا؛ و الثانية الإشارة إلى “الكرسي المتحرك” أيقونة و تمثيلا بطريقة تنقص من الاحترام الواجب تجاه شريحة عانت ولازالت تعاني من أبشع أنواع العنف والتهميش تحت ظل النظام البائد.
غدا اليوم الوطني للمعاق، هي فرصة أخرى لرفع سقف تجليات أخلاقية الحراك، ولنبذ بعض رواسب العنف اللاأخلاقى الذي يواجهنا، وللسمو بتطلعاتنا لمجتمع شامل يستوعب كل شرائحه دون إقصاء في كنف أخلاق تتماشى مع قيم الأخوة البشرية التي نؤمن بها ومع سياسة عادلة مستقلة تكرسها.
اتطلع للغد.
About the Author