لا يختلف اثنان على ما تواجهه الجزائر في الآونة الأخيرة من تذبذب للحالة الاقتصادية و تفاوت في القرارات السياسية . فبعد انخفاض سعر البترول بدأ ناقوس التساؤل يدق أبواب الوطن ، كيف ستكون الجزائر بدون بترول و هل يمكن للجزائر ان تمضي قدما وفقا لبدائل العلم و التكنولوجيا؟
عرفت اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية عدة خسائر على كل الأصعدة . فقد دمرت البنية التحتية للبلاد واعتقد كل الخبراء آنذاك بأن اليابان ستتأخر في إعادة زرع ظروف التنمية من جديد. في نفس السنة فاجئ ابن مخترع آلة البابان ساكيشي تويودا السيد كاشيرو (مؤسس شركة تويودا) بتحدي مجموعة هنري فورد الأمريكية من خلال صيحة تفيد “اللحاق بأمريكا في مدة لا تجتاز 3 سنوات و إلا فلن تعيش اليابان” . كان الأمر يبدوا شبه مستحيل حسب مساعده تاييتشي اوهنو الذي قام بتشخيص مستوى ظروف العمل في اليابان بالنظر للمستوى العالمي فوجد بأن العامل الألماني كان يعمل 3 أضعاف ما يعمله نظيره الياباني ، و بدوره كان العامل الأمريكي يعمل 3 أضعاف نظيره الياباني ، بمعنى أن العامل الأمريكي كان يعمل 9 أضعاف العامل الياباني . هذا التحليل جعل اوهنو يخلص إلى أن هناك حلقة مفقودة لدى طاقم العمل الياباني تعيقه على العمل بنفس وتيرة الغربيين يجب تحديدها و التخلص منها للحاق بنظرائهم بمجال صناعة السيارات.
و هو ما تحقق بعد عدة دراسات ليصدر نظام الإنتاج تويوتا اعتمد فيه على مبدأي التشخيص و التخلص من فواقد النظام أطلق عليها اسم “الفواقد السبع القاتلة” “Seven Deadly Wastes” . بعدها تم دعم هذا النظام باكتشاف جديد و هذه المرة بعد تحد آخر لطاقم عمل أوهنو مع نظرائهم الألمان (شركة مرسيدس) حيث طلب من المهندس شيغو شينغو تقليص زمن تغيير القوالب (الذي كان يبلغ 3 ساعات في الشركات اليابانية) و تقريبه من الرقم الألماني (الذي كان يبلغ 12 دقيقة) ، و ذلك بغرض تحسين الالتزام بالوقت المحدد لطلبية الزبون. كان الامر شبه مستحيل في البداية ،فأبدع المهندس شينغو بطريقة “Single Minute Exchange of Die” أو “سرعة تغيير القوالب” جعلت المدرسة اليابانية تتفوق مجددا في خفض زمن التجهيز الكلي للقوالب على الماكينات إلى 3.5 دقيقة . فبفضل هذه الأفكار و الدراسات العلمية لكل من الثلاثي كاشيرو أوهنو و شينغو عرفت شركة تويوتا نهضة صناعية إنتاجية تنافسية أنعشت موقف اليابان في اكبر أزماتها و حولتها من قطب مدمر لقطب اقتصادي ريادي عالمي.
في أكتوبر 1973 اصطدمت اليابان بأزمة الغاز والبترول ، و ذلك بعد ان قام أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول “الأوبك” بحظر النفط على كل الدول الصناعية المستهلكة للنفط الخام. مما جعل الخبراء يتكهنون بالإفلاس المبكر لأغلب الشركات الرائدة باليابان. ليفاجئ العقل المدبر لتويوتا أوهنوو مجددا بتحديه للجميع بمقولته الشهيرة “من هذه الازمة أعلن انطلاق مسيرتنا”. و هو ما كان عليه الأمر بتطوير سياسة “سفينة تقليل الفواقد” أو”Reduced Waste Ship” ، أعطى من خلالها درسا في النمذجة العلمية حيث بسط انتاج تويوتا في شكل سفينة تبحر “بسطح مائي” اعتبره مخزون الشركة ، كما مثل المشاكل و الفواقد في شكل “صخور” وكان طرحه كالتالي “اذا كان سطح الماء عالي المستوى فإننا لن نتمكن من رؤية العوائق المتواجدة بالقاع أو بالأحرى عدم المبالاة للتخلص منها”. بمعنى أن المخزون الكبير يغرس فينا اللامبالاة بالنقائص و المشاكل ، وهو ما جعله ينتقل للفرضية الثانية التي تفيد “بأنه إذا قمنا بتخفيض سطح الماء أي المخزون فإننا سنتمكن من رؤية الصخور أي المشاكل كعائق لابد من التخلص منه”. بفضل هذه الرؤية التي قلبت الأزمة من مشكلة إلى فرصة لتحسين ظروف الإنتاج تمكنت شركة تويوتا من الريادة في مجال صناعة السيارات و كانت أحد الأسباب الرئيسية في اجتياز اليابان تلك المرحلة بأمان.
يمكننا نمذجة أزمة النفط بالجزائر (2015) وفقا لنظرة أوهنو، حيث نمثل انتاج الجزائر بسفينة تبحر على مستوى للمياه نمثله بمستوى النفط . لنتخيل عندما تجري سفينة في مجرى مائي به الكثير من العوائق مثل الصخور الكبيرة. فهل تستطيع هذه السفينة أن تسير خلال هذا المجرى؟ الجواب: نعم، إذا كانت هذه العوائق والصخور في القاع بحيث لا تصل إلى السفينة ولا تؤثر على سيرها. فهل الصخور موجودة ؟ نعم. هل نراها ؟ لا. هل سنحاول إزالتها؟ بالطبع لا ، فنحن لا نراها أصلا… فهنا مربط الفرس ، المياه تغطي الصخور والعوائق وتجعلنا لا نراها ، كما أن البترول يجعلنا نظن أن الإنتاج يُبحر بسلام مع وجود فواقد كثيرة ولكننا لا نراها أو نتجاهلها . فالبترول يُغطيها ويجعلنا لا نشعر بوجودها كما يغطي الماء الصخور، وبالتالي فإن شعورنا بوجود المشكلة يكون ضعيفا فنحن قد “غطينا المشكلة بالمخزون الكبير” فلا شَعَرنا بالمشكلة و لا حاولنا دراستها.
إحصائيات الجزائر لسنة 2015 تشير بأن الناتج المحلي الإجمالي وصل إلى حوالي 18 تريليون دينارا ، (ما يعادل 205 مليار دولار) ، حيث تسيطر الصادرات من المنتجات الهيدروكربونية على نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي ، فبشكل عام تتمتع الجزائر بالخصائص الكلاسيكية لاقتصاد نفطي. و حسب السيدة كريستين لاغارد المسؤولة الأولى عن صندوق النقد الدولي ، فان التبعية للعائدات النفطية ليست “مصدر التوتر” الوحيد بالنسبة للجزائر بل لكون قطاع المحروقات لا يساهم بقدر كاف في استحداث مناصب الشغل . و أكدت قائلة أن “المحروقات تمثل نسبة 40 بالمائة من الناتج الداخلي الخام الجزائري و 98 بالمائة من الصادرات لكن 2 بالمائة فقط بالنسبة للتشغيل” متطرقة في هذا الصدد إلى “اختلال واضح يتطلب تسييرا أفضل” و أردفت قائلة أنه علاوة على ذلك فأنه “لا يمكن الاستمرار في الاعتماد على التمويل العمومي في كل شيء” مستشهدة بالمثل الجزائري “لا يمكن التصفيق بيد واحدة”.
بناءا على المعلومات السابقة ، نستطيع أن نقول بأن نعمة البترول تحولت الى نقمة غطت علينا الكثير من الصخور و لعل أول هذه الصخور هو عدم الاستثمار في العلم و التكنولوجيا . مع الأسف لازلنا ننظر للعلم بطريقة استهلاكية خدمية غير إنتاجية و غير مربحة . فمعدل الانفاق على البحث و التطوير بالجزائر لم يتجاوز 0.56 بالمائة من مجمل الناتج العام الوطني ، و هي نسبة أقل من المعدل العالمي (1.8 بالمئة) و تؤدي إلى أداء ضعيفا و دون المستوى المطلوب في مجال البحث العلمي ، بينما يحتل الكيان الصهيوني المركز الأول في السلم العالمي للإنفاق على البحث و التطوير بنسبة 4.8 بالمئة ، يليه كل من الولايات المتحدة الامريكية ، اليابان و السويد بنسبة 3.1 بالمئة . هذه الدول آمنت بأن جوهر الرقي و النمو للدول المتقدمة هو البحث و التطوير، و هو ما برهنته شركة جنرال الكتريك الامريكية ، حيث تقوم بتمويل عمليات البحث و التطوير لأساليب و منتجات جديدة كلما توفرت لها المواد اللازمة و ذلك لتحسين وضعها التنافسي . فقد حققت سنة 2002 أرباح تعادل 575 مليار دولار. و هي قيمة تفوق اجمال الناتج المحلي ل45 دولة افريقية واقعة جنوب الصحراء و الذي بلغ 439 مليار دولار سنة 2003 .
من جهة أخرى ، تعد الجزائر من الدول التي لا تعتمد على الإنتاج الزراعي في التنمية الاقتصادية . فبالرغم من وجود مساحة مستعملة للنشطات الرعوية و الزراعية مقدرة ب 47 مليون هكتار، فان مساحة الإنتاج ضعيفة جدا مقارنة بذلك ، حيث تقدر بنسبة 1.4 مليون هكتار. يستفيد منها 600 ألف هكتار فقط من عملية الري ، و هي أحد الأسباب المعيقة للمزارعين الذين يعانون من سياسات حكومية غير محفزة ، تقوم بتحديد حصة المساحات الزراعية ، حيث بلغت 0.75 بالمئة لكل نسمة سنة 1962 و تواصلت في الانخفاض الى غاية 0.25 بالمئة سنة 2015 وهو أحد مؤشرات اللامبالاة بأحد أهم مصادر التنمية الاقتصادية .
علاوة على ذلك فان الجزائر تصارع لتقليل وارداتها ، بما أنها أحد كبار مستوردي الحبوب في العالم ، لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال القمح الصلب في غضون 2019 ، ولا يبدو أن أمام بلادنا خيارا آخر غير توسيع رقعة الأراضي المسقية المخصّصة لهذا النشاط الزراعي ، لإنقاذ شعبنا من (مجاعة) محتملة في حال استمرار أزمة انهيار أسعار البترول وكذا في مرحلة ما بعد البترول.
هناك العديد من التساؤلات التي توحيها إلينا سفينة أوهنو لتقليل الفواقد : هل نقوم بإزالة المياه من المجرى المائي تماما ؟ إذن ستخرب السفينة. ماذا لو قمنا بتقليل مستوى المياه قليلا بحيث نرى بعض أجزاء الصخور ونتخلص منها ، ثم نقوم بعد ذلك بتقليل مستوى المياه أكثر لنرى أجزاء أخرى من الصخور ونتخلص منها . وهكذا حتى نتخلص من كل الصخور ونستطيع الإبحار رغم مستوى الماء القليل. هل يستطيع قبطان السفنية ومساعدوه أن يقودوا سفنية الجزائر إلى بر الأمان ؟ هل يرى القبطان ومساعدوه كل العوائق بجذورها ؟ لعله يفهم جيدا كيف يقود سفينة ولكنه لا يعرف الصخور وكيفية تحريكها. إذن فلابد من تظافر جهود القبطان و مساعديه و كل البحارين من العمالة البسيطة.
و لعل أول مصدر يجب استغلاله و الاستثمار فيه هو العلم و التكنولوجيا ، فيجب علينا أن نؤمن بان العلم هو السبيل نحو بلوغ الأهداف. و قد اختلفت المجتمعات و تباينت فيما بينها لما توصلت اليه من إنجازات في مجال العلم .
فعلى الجزائر أن تستثمر في أفكار أبنائها ، فهي تزخر بخزان كبير من الادمغة التي تصب في نسق الغرب (100 الف باحث جزائري بالخارج) ، فالعقول الجزائرية بالمهجر تملك حوالي 2500 براءة اختراع ، بينما تملك الجزائر منذ سنة 1980 حوالي 320 براءة اختراع ، في حين تملك كوريا الجنوبية “1999 الى 2002” حوالي 16147 براءة اختراع ، و هذا أكبر دليل على سوء استثمارنا في أقوى مفتاح للنهوض بوطننا مفتاح “العلم و العلماء” ، وهو ما ثمنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء كلمته لأهل العلم باسطنبول في ملتقى أسبوع الابتكار: “تركيا ليست لديها نفط او غاز ترتكز عليه كقيمة مضافة لبلدها ولكن لديها عقول وإرادة ، ولن تنهار اذا قطعت روسيا عنها الغاز فلديها الكثير من البدائل ، يجب أن تنتجوا أكثر وأكثر، نحن ندعم كل مشاريعكم وكل مساعيكم” .
و لا شك أن هناك العديد من الأسباب التي أدت الى هشاشة البحث العلمي في مجتمعنا ، فيجب علينا التحفيز و شحن الرغبة في التعلم البحث و التطوير ، فلا يجب ان يكون جل اهتمامنا منصبا على امتلاك أحدث ما توصلت اليه البحوث الغربية من تكنولوجيا و تقنيات حديثة بالامتلاك عوضا عن الابتكار. و هذه المقالة البسيطة ليست سوى محاولة لبعث بعض الهمة في الجسد الجزائري المتثاقل ، عساه أن ينهض ليقدم للعالم معرفة جديدة , عوضا على البقاء ليلتقي المعرفة دون عناء ليستحق عن جدارة لقب الأمة المتهالكة . فهل سنرفع التحدي للوصول بسفينة الجزائر لبر الأمان؟
بسم الله الرحمان الرحيم “وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ” صدق الله العظيم ..سورة يوسف.76
Stunning ideas, but can the algerian govenrment hear you, that what we hope incha allah.
many thanks for your comment dear Brother , i strongly don’t believe in our current government as much as in Allah who will in certain time give the required advises to whom interestingly hear our callings
wow good job and great article thank you, well this government can’t see that, but we should prepare a generation that can think like that way starting from now at least after 20 years we will have who can lead this country to safety besides that we hope we get someone like Rajab Tayeb Ardogan and free our system from that corruption
About the Author